لقد وصلت المهزلة السلطوية في العراق لقمة صورتها الدرامية البائسة بعد أن تحول حكم العراق و إدارته لبازار إيراني أو لسوق هرج شعبي متخلف بسبب عمليات المساومة و البيع و الشراء التي دأبت الأحزاب الطائفية و الدينية العميلة و الفاشلة على إنتهاجها، فهاهو مهرجان بيع العراق بالجملة و المفرق قد تجاوز كل سيناريوهات الكارثة، وهاهو الإنهيار الكبير يخيم على الدولة العراقية التحاصصية الفاشلة الغارقة في أوهام التاريخ وخرافاته بعد أن توقفت أو كادت الكامل منظومة الخدمات العامة و أبرزها منظومة الطاقة الكهربائية في بلد هو من أكبر مزودي الطاقة في العالم؟ وهاهو السيناريو الصومالي و الصيغة الطائفية اللبنانية قد تجسد بوضوح في بلد تكالبت عليه كل ضباع الأرض وكل فئران الداخل للنهش به و الإجهاز عليه بعد تسميمه بأمراض الطاعون الطائفي و التخلف و الهوس الديني المنحرف و التاريخي المريض؟

ولعل آخر الإنجازات التي إنبثقت عنها فترة حكم حزب الدعوة و تشبثه بالسلطة المطلقة وحربه المقدسة للحفاظ عليها بكل الصيغ و السبل هي في تمدد وسطوة الأحزاب الكردية و التي كان لها تاريخ طويل و موثق في التعامل و التبادل و التطبيع مع النظام العراقي السابق واليوم باتت تفرض شروطها الخاصة و التعجيزية بل و الإبتزازية في ظل فشل الأحزاب الطائفية وعجزها الجيني المتأصل!

الأحزاب الكردية والتي في أساسها تجمعات إقطاعية لاعلاقة لها أصلا بكفاح الأحرار في كردستان بل أنها تجمعات عصابية يعاني من سطوتها أشقائنا الأكراد قبل غيرهم باتت تفرض اليوم شروطا مجحفة و مبالغ بها على الحكومة العراقية التعبانة و الرثة بأحزابها الطائفية المتهاوية لا يمكن وصفها بأي صفة سوى بصفة الإبتزاز والغطرسة و إستغلال الظروف من أجل نهش أكبر قطعة لحم حي من العراق السائر في طريق التشظي و الإنحلال، فالإئتلاف الكردي في وثيقته الأخيرة التي قدمها للكتل السياسية المتصارعة على السلطة لم يخف أبدا إنتهازيته الفظة فهو قد حاول إنتزاع أكبر قدر من التنازلات و المكاسب من الأحزاب الطائفية بهدف تحقيق الأسس الجذرية لإعلان الإنفصال عن العراق إنتظارا للظروف الإقليمية و الدولية الملائمةبعد محاولة إنتزاع ( كركوك ) من هويتها الوطنية العراقية الجامعة المانعة و إعتبارها من توابع الإقليم أو الدولة الكردية وحيث تناور ألأحزاب الطائفية لتتفاوض لإعطاء حقوق لا تملكها لأطراف لا تستحقها من أجل كراسي زائلة و مناصب واهية و إمتيازات شفط هائلة!!

التحالف الكردي يحاول جاهدا فرض الصيغة الطائفية اللبنانية المريضة في العراق من خلال المحاولات المستميتة ( لتكريد ) منصب الرئاسة! ولتعميق المحاصصة الطائفية و العرقية وجعلها أمر واقع وعرفي يصل لمستوى الإعتراف الدستوري، فليس معقولا أن يستمر منصب رئيس الجمهورية حكرا على أتباع الأحزاب الكردية إلى الأبد؟ فهذه حالة مريضة لا تصح لأنه من حق أي عربي أن يكون أيضا رئيسا لإقليم كردستان فيما لو طبقت الديمقراطية الحقيقية وليست ديمقراطية ( العيارين و الشطار ) السائدة حاليا في العراق؟ القيادات الكردية تفاوض بمهارة التجار بينما القيادات الطائفية الفاشلة تفاوض بمنطق التاجر المفلس الذي يحاول تجميع ديونه الميتة على أنقاض الجثة العراقية، وقضية فرض الأحزاب الكردية موافقتهم المسبقة على أي تحرك حكومي من خلال إعتبار الحكومة مستقيلة في حال إنسحاب الوزراء ألأكراد منها هي أكبر إبتزاز يفرض منطق و راي الأقلية على الأغلبية في ملف لاعلاقة له أبدا بالعملية الديمقراطية؟ بقدر علاقته بعملية التمدد التدريجي و إستغلال الظروف و محاولة فرض رأي الأقلية و إستعمال الثغرات القاتلة في العملية السياسية لمنافع آنية، أما قضية تمويل وزارة الدفاع لموازنة قوات الجيش الكردي ( البيشمركة )! فهي مهزلة حقيقية في دولة لا تعرف كيف تدافع عن نفسها أو كيف تجهز جيشها الذي يعاني من نواقص تسليحية قاتلة بينما يطلب منها قادة ألأحزاب الكردية مسؤولية التمويل و التسليح فيما ( يشفطون ) هم موازنة 17% المقررة من الخزينة العامة؟ أما قضية إعتبار ألأحزاب الكردية بمثابة بيضة القبان في مسخرة مضافة للمساخر التي تزخر بها الساحة العراقية، أحزاب التطيف العراقية مستعدة للمضي في آخر المشوار من أجل تمزيق العراق على مذبح مصالحها و مطامعها و الطرف الكردي يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف، أما جلال طالباني فإن إعادة إنتخابه للرئاسة العراقية لن يغير من الوضع المهترأ شيئا، فرئيس جمهورية العراق الذي هو رئيس ولاية السليمانية لم يعد من الناحية الصحية لائقا لمنصب الرئاسة، كما أن أدائه خلال المرحلة الماضية قد إتسم بالضعف العام وإعادة تنصيبه ستكون مهزلةـ و من يتابع شروط الإبتزاز الكردية يعلم جيدا أي مصير ينتظر العراق الذي وصلت أوضاعه لنهايتها الحتمية، فبعد الرحيل الأمريكي المخطط له بخبث متأصل لن يكون العراق عراقا بل سنشهد دول الطوائف و الملل و النحل العراقية.

[email protected]